• الذكرى الـ26 للغارة الإسرائيلية على حمام الشط


    كان خطأ اسرائيل الفادح حينما تجرأت في يوم 1 أكتوبر 1985 على اقتراف عدوانها التاريخي على أرض تونس من خلال غارة جوية على منطقة حمام الشاطئ التي خلفت ضحايا أبرياء من بين الفلسطينيين والتونسيين المتواجدين بالمنطقة، ولم يتأخر رد الفعل التونسي عن التحرك بقوة على المستويين السياسي والدبلوماسي، حيث أحدث وقعا كبيرا بالمنتظم الأممي وحقق أول إدانة صريحة من مجلس الأمن لاسرائيل كان لها الأثر الملائم على صعيد تفعيل القضية الفلسطينية وحث الدول الراعية على إقامة أرضية للتفاوض الفلسطيني الإسرائيلي.


    كنت أنذاك كاتبا عاما للجنة التنسيق ببن عروس وكنت حاضرا في مكان الغارة بعد عشر دقائق من وقوعها رفقة والي الجهة، فالتقينا مع مجموعة من الفلسطنيين الذين بقوا على قيد الحياة بقرب المكتب رقم 17 الذي دمر مبناه تماما وتحول مكانه إلى سبع فجوات عميقة جدا وهي مخلفات انفجارات الصواريخ الضخمة وسألت الاخوة الفلسطينيين عن أطوار الغارة الإسرائيلية المريبة فأفادوني بما يلي: 

    حوالي الساعة العاشرة صباحا، أغار سرب من الطائرات على منطقة حمام الشاطئ تحميها من الخلف وكانت على ارتفاع مغاير طائرات أخرى بادرت منذ خروجها من البحر بنشر (كرات حرارية) في الفضاء تحسبا لردود الدفاع الأرضي المضاد للطائرات، حيث أن الكرات الحرارية تشوش على الصواريخ الدفاعية مسالك بلوغ أهدافها. وقد أغارت الطائرات على ارتفاع منخفض على مقر قيادة الفلسطينيين وقذفت الدفعة الأولى من قنابلها واتجهت بالبحر. ثم مرت على اليمين خلف جبل بوقرنين وأعادت الكرة في غارة ثانية قصفت أثناءها بقية الأهداف المحددة وتوجهت إلى البحر لتغيب نهائيا على الأنظار حيث كان لون الطائرات رصاصيا، رماديا، مثل الطائرات الإسرائيلية التي تعودنا مشاهدتها عبر شاشات التلفاز، كما أكد لي الاخوة الفلسطينيون أن اسرائيل استعملت في غارتها هاته القنابل الفراغية الممنوع استعمالها عالميا والمنصوص عليها في قائمة جينيف.. وتحدث هذه القنابل عند انفجارها خللا قويا جدا في توازن التركيبة الهوائية والمغناطيسية للفضاء حيث تجرف حول محور سقوطها كل المباني إلى الإنهيار وتسحق من حواليها... والدليل على ذلك ضخامة قطر الحفر التي تركتها على الأرض ومدى عمقها الكبير، إلى جانب أن طاقة انفجارها لا تحدث دويا مفرقعا مثل سائر القنابل بل تبدي ارتجاجا هائلا للأرض والفضاء على حقل شاسع جدا.» 

    كيف تمت الغارة... وكيف نجا منها ياسر عرفات؟

    من خلال الجلسات المضيقة جدا التي حضرتها آنذاك في حمام الشاطئ بدعوة من الاخوة المسؤولين الفلسطينيين وفي طليعتهم الزعيم الراحل ياسر عرفات والمناضل الفلسطيني حكم بلعاوي ممثل المنظمة بتونس تبين انه:

    عندما غادر ياسر عرفات منزل حكم بلعاوي، حوالي الثالثة من فجر يوم الثلاثاء 1 أكتوبر 1985، كان هناك من رصد لحظة خروجه وتنفس الصعداء معتبرا أن مهمته انتهت بعد كل ذلك السهر، فأبرق إلى جهة ما يقول أن الصيد اتجه إلى مقره، وأن التنفيذ ممكن، لكن... ذلك الرجل (ياسر عرفات) تبين أن له حاسة أمنية من نوع خاص، وتأكد لي بأن «أبو عمار» يغير مكان مبيته بأسرع مما يغير قميصه، وقبل حاسته الأمنية، هنالك أصلا إرادة الله التي شاءت في تلك الليلة أن تنقذه. كيف حدث ذلك؟ كيف تمت الغارة ؟ وكيف نجا منها عرفات؟ وما هو المتوقع بعدها ؟ وفي هذا الإطار أتعـرض لأهم التفاصيل الدقيقة التي سمعتها من المسؤولين الفلسطينيين.

    وسواء خرجت الطائرات الإسرائيلية من قلب اسرائيل أو استخدمت احدى قواعد الحلف الأطلسي في البحر الأبيض المتوسط، فالثابت لدى الأخصائيين الفلسطينيين العسكريين أن نوعا من مشاركة بعض البلدان العظمى قد حدث خلال مرحلة التنفيذ.

    أكثر من شاشة رادار تابعة لأكثر من عاصمة أوروبية سجلت شاشتها الحدث المثير من البداية إلى النهاية. ولعل هذا يفسر لهجة الغضب التي تحدثت بها ايطاليا ضد كل من واشنطن وتل أبيب، لأن في ايطاليا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا سجلت أجهزة الإنذار أن هناك شيئا ما غير عادي يحدث.

    وتأكد لدى الأخوة الفلسطينيين ان موسكو قد تابعت الحدث المثير. من أبلغ عن الحادث ؟ لا أحد... من يملك قرار الإدانة القاطع بالمشاركة الأوروبية الكاملة سواء بخروج الطائرات من تل أبيب أو من إحدى قواعد الحلف الأطلسي، أو من فوق ظهر إحدى قطع الأسطول السادس الأمريكي التي تجوب البحر المتوسط. أقول فمن يمتلك كل هذه المعلومات دقيقة بدقيقة ؟ إنه طرف واحد هو الإتحاد السوفياتي. وهل أبلغت موسكو السلطات التونسية أو الزعيم عرفات وقيادة المنظمة ؟ بالطبع لا... وهل ستبلغ القيادة السوفياتية في المستقبل السلطات التونسية أو القيادة الفلسطينية بكل ما جرى ؟ هذا هو السؤال. وحتى إذا كانت موسكو قد أبلغت قيادة المنظمة، فهل كان هناك متسع من الوقت للإستعداد لاستيعاب الضربة ولا أقول احتواءها ؟ الجواب لا... لم يكن هناك متسع من الوقت فالمسافة بالطيران إذا كانت الطلعة الجوية قد بدأت من داخل اسرائيل لا تستغرق سوى ثلاث ساعات أو أقل، أما إذا كانت من جهة ما داخل البحر المتوسط فانها لا تتجاوز ستين دقيقة وفقط.

    وصلت الطائرات الإسرائيلية، إلى مواقعها المحددة وألقت بكامل حمولتها على الأهداف المحددة لها وخصوصا على مكاتب القيادة الفلسطينية وعلى مقر المجموعة 17 التي ادعت اسرائيل أن عناصرها نفذوا عملية لارناكا وقتلوا ثلاثة من الجواسيس الإسرائيليين.

    من وضع الخطة ؟ 

    المصادر الإعلامية لدى الفلسطينيين آنذاك أكدت أن اسحاق رابين، وزير الدفاع الإسرائيلي ومعه رئاسة هيئة الأركان ورجال الموساد وضعوا الخطة وفقا للتقارير التي وافتهم بها أجهزة الأقمار الصناعية الأوروبية التي صورت منطقة حمام الشط حيث تتمركز القيادة الفلسطينية هناك، ووضع مجسم للمنطقة وأجريت تدريبات عملية للمشاركين فيها وأصبحت الخطة جاهزة للتنفيذ وتنتظر إشارة البدء بعدما تمت دراسة كل الإحتمالات.

    كما تأكد لدى الفلسطينيين بأن اسحاق رابين ذهب بملفات الخطة وعرضها على قيادة حزب العمل الإسرائيلي فوافق عليها الجميع ما عدا شيمون بيريز رئيس الوزراء الذي اشترط موافقة أوروبية كاملة ومسبقة على الخطة، ونقل مشروع الخطة بأكمله إلى قيادة الليكود التي وافقت على الفور ثم نقلت الخطة إلى مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر فوافق الجميع ماعدا عايزرا وايزمان الذي حذر من خطورة النتائج.

    فالقرار إذن أتخذ اسرائيليا، والإستعدادات أصبحت كاملة، والإتصالات الإسرائيلية الأمريكية تمت بالكامل، ويتردد أن الموضوع كله انحصر بين الرئيس ريغان ومستشار الأمن القومي ماكفرلين والمخابرات الأمريكية بوصفها عملية تندرج تحت بند العمليات الخاصة وهذا ما يفسر مسارعة ريغان باصدار بيانه الذي يؤكد فيه موافقة الولايات المتحدة عليها بوصفها «عملا مشروعا لمواجهة الإرهاب» ثم يؤكد الرئيـــس ريغان ثقته بكفاءة جهاز المخابرات الإسرائيليــــــة (الموساد) في الوقت الذي حاولــت فيه الخارجية الأمريكية أن تخفف من غلـــواء التصريح الرئاسي... يضاف إلى كل ذلك أن ريغان بمسارعته إعلان تأييده للعملية كانت لديه قناعة تامة من خلال معلومات الموساد الإسرائيلية أن عرفات قد سقط بالفعل بين ركام مباني القيادة الفلسطينية.

    ولقد تأكد أن الهدف الرئيسي من الغارة الإسرائيلية على حمام الشاطئ كان اغتيال عرفات والقرار اسرائيلي اخطرت به بعض البلدان العظمى حسب طلب رئيس الوزراء شيمون بيريز ووافقت عليه الجهات المعنية ثم قدمت له كل المساعدات التقنية والفنية العالية التي لا تمتلكها لا اسرائيل ولا أي دولة أخرى باستثناء البلدان العظمى.

    وبعد خمس عشرة دقيقة من وقوع الغارة وصل أبو عمار ورفاقه إلى حمام الشاطئ حيث كنت في استقبالهم رفقة والي بنعروس آنذاك عبد الكريم عزيز فتحولوا إلى موقع الغارة ليجدوا الأنقاض، ورفاقهم وأبناءهم وأولادهم الفلسطينيين والتونسيين قد أصبحوا أشلاء.

    فكان أبو عمار يردد «لا إله إلا الله» بينما كانت عيناه تشعان بالغضب، بالحسرة، بالألم، الدموع من عينيه، يمسحها سريعا، يتمالك نفسه، يصدر التعليمات، حانت ساعة المواجهة ويتوالى وصول أعضاء قيادة فتح والمسؤولين التونسيين وفي طليعتهم الرئيس زين العابدين بن علي بوصفه آنذاك كاتب الدولة للداخلية والسيد الهادي البكوش مدير الحزب الإشتراكي الدستوري وغيرهم، وأبو جهاد على الخط من عمان للإطمئنان على القائد عرفات . 

    لقد حضرت جلسة مظيقة انعقدت على عين المكان تساءل فيها الاخوة الفلسطينيون وفي طليعتهم الزعيم عرفات: من الذي أعطى الإشارة الأخيرة لاسرائيل ببدء تنفيذ العملية ؟ من هو الذي كان يراقب تحركات ياسر عرفات من تونس ومن قبلها من الرباط.؟ الدلائل كلها لدى الفلسطينيين تؤكد أنه شخص ما لم تعرف هويته حتى الآن، والدلائل كلها أشارت إلى أنه بالقطع ليس فلسطينيا وأيضا ليس تونسيا. والمؤشرات كلها ترى أن هذا الشخص لو كان قد تحرك إلى حمام الشاطئ وراقب المقر وتحركات القائد الفلسطيني لأيقن أن أبو عمار كان يمضي بقية الليل في مكان آخر، فلو كان فلسطينيا لعرف وأيضا لو كان تونسيا لعرف، إذن فهو شخص أجنبي، رصد اجتماعات الزعيم عرفات منذ بداية الليل حتى مطلع الفجر وعندما انصرف موكب الزعيم الفلسطيني أدرك أنه في طريقه إلى حمام الشاطئ فأعطى إشارة البدء في تنفيذ الغارة من دون أن يدرك أن القائد الفلسطيني أبو عمار سيغير وجهته نحو مكان اخر، حيث عاد إلى منزل حكم بالعاوي، فتغير كل شيء.

    لقد قامت اسرائيل بتلك الغارة الشنيعة فاستعملت طائراتها في هجماتها على مقر القيادة العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية القنابل الفراغية كما أنها قصفت في ذات الوقت ثلاث مواقع من بنايات المقر الفلسطيني. وتلك المباني هي مكتب القائد العام ومكتب العمليات ومقر قوات 17 وهي تشكيلة عسكرية من جنود الكومندوس مكلفة بأمن قياديي المنظمة. فاستشهد ثلاثة وخمسون شخصا بين فلسطينيين وتونسيين وجرح حوالي 100 شخص نقلوا إلى مستشفيات الحبيب ثامر وشارل نيكول وعزيزة عثمانة بالعاصمة والجدير بالذكر أن الذين نجوا من الغارة أكدوا لنا أن طائرات العدو كانت تعرف مهمتها جيدا ولذلك أتى قصفها مدققا. أما بخصوص قوة القصف يبدو أن أكثر المناطق الثلاثة استهدافا المباني (أي مقر القيادة) فتحولت في لحظة إلى ركام ويبدو أن الإسرائيليين كانوا يعتقدون أن «أبو عمار» سيكون في ذلك الوقت موجودا بمكتبه في حمام الشط.

    ونحن نحيي هذه الذكرى المجيدة يمكن التذكير بان في تونس ولد أطفال الحجارة الذين نشأوا في مكان وزمان يرفضان الإستعمار، وترعرعوا في أرض عريقة النضال، يشهد لها التاريخ بالمثابرة على الكفاح من أجل التحرير والإنعتاق واسترجاع السيادة والحرية، إنهم أطفال الحجارة الذين فقدوا آباءهم في صبيحة يوم 1 أكتوبر 1985 (يوم الغارة الإسرائيلية على حمام الشاطئ).ثم عادوا إلى موطنهم الأم بالأراضي الفلسطينية الرازحة تحت نير الإستعمار. فهبوا صغارا كالطير الأبابيل يرمون القوات الإسرائيلية المدرعة بحجارة من سجيل. حتى أبهروا العالم بأسره لما فاقت الإنسانية من سباتها ورأت بالعين المجردة كيف يهرب الجنود المدججون بالأسلحة أمام صبية صغار عزل يداهمون المدافع والدبابات بشجاعة أسطورية لم تسجل مثيلها كل انتفاضات التاريخ. ويمكن التأكيد بأنها ملحمة نضال مشترك بين الشعبين التونسي والفلسطيني والتي تمت دون اتفاقيات مسبقة بين البلدين الشقيقين، وهذا ما سأتعرض اليه بكل التفاصيل الدقيقة في كتابي الجديد الذي هو في طريق الإنجاز بعنوان «ملحمة النضال التونسي الفلسطيني - الغارة الإسرائيلية على حمام الشط والدولة الفلسطينية».

    (×) نائب سابق بمجلس النواب
    بقلم: المنصف بن فرج

    منقول من جريدة الصباح التونسية

    « Nouveau directeur du collègeCollège <3 »

    Tags Tags : , , , ,
  • Commentaires

    7
    Sarra Khamassi Profil de Sarra Khamassi
    Samedi 1er Octobre 2011 à 18:09

    allah yar7amhom 

    6
    Amall Thèmri Profil de Amall Thèmri
    Jeudi 29 Septembre 2011 à 23:33

    Allah yar7amhom ! 

    5
    takwa A Profil de takwa A
    Jeudi 29 Septembre 2011 à 19:24

    ù_ù mamotech ?! :p

     

    4
    Tej tizaoui
    Jeudi 29 Septembre 2011 à 00:11

    EYY Eyy kont 4adi ena wa9t'ha :p :p :p :p 

    3
    maha.meksi Profil de maha.meksi
    Mercredi 28 Septembre 2011 à 16:08

    rabi yarhamhom 

    2
    takwa A Profil de takwa A
    Mardi 27 Septembre 2011 à 13:01

    ahh wé :/

     

    1
    aziz1997 Profil de aziz1997
    Lundi 26 Septembre 2011 à 10:22

    nchalla rabi yarhamhom 

    Suivre le flux RSS des commentaires


    Ajouter un commentaire

    Nom / Pseudo :

    E-mail (facultatif) :

    Site Web (facultatif) :

    Commentaire :